عابر الظلال
الظل الذي لا ينام -الجزء الاول-
في مدينة “نوفاليس”، مدينة يغلفها الضباب كأنه حارس صامت، عاش “مالك”، شاب في أواخر العشرينات يعمل محققًا خاصًا، يشتهر بقدرته الغريبة على ملاحظة التفاصيل التي لا يراها غيره. لكن ما لا يعرفه الناس هو أنه يحمل سرًا مظلمًا… ظلًّا يتبعه في كل مكان، لا يظهر في الضوء ولا في المرايا، لكنه يهمس له أحيانًا، بصوت يشبه صوته.
في إحدى الليالي الباردة، دخلت عليه امرأة غريبة تُدعى “ليلى”، بعيون خائفة وملامح شاحبة. قالت له بصوت مرتجف:
“أخي اختفى منذ أسبوع. قبل أن يختفي كان يتحدث عن باب لا يراه إلا في أحلامه… باب خشبي في جدار حجري عليه نقش غريب… يشبه عينًا تفتح في الظلام.”
لم يكن الأمر عادياً، لكن في داخله، شعر “مالك” أن هذه القضية ليست كبقية القضايا. شيء في وصف الباب، النقش، وحتى المرأة، حرّك ذاكرة نائمة في عقله… تذكّر فجأة، حلماً يتكرر معه منذ سنوات، فيه باب مماثل.
قبل أن يبدأ بالتحقيق، زار منزل أخي “ليلى”. كل شيء فيه كان طبيعياً ما عدا غرفة واحدة — غرفة مغلقة بلا نوافذ، وعلى جدرانها رسومات بالقلم الرصاص لأبواب، عيون، ورموز غريبة تشبه دوائر سحرية. وجد في أحد الدفاتر رسالة غير مكتملة:
“إنه يراقبني من الظل. لا يظهر في الضوء، لكنه ينتظر أن أفتح الباب. إن فتحت الباب، لن أعود أنا...”.
في الأيام التالية، بدأت تحدث أمور غريبة. بدأ مالك يرى “ظله” يتحرك قبل أن يتحرك هو. في الليل، يسمع طرقًا خافتًا يأتي من جدران مكتبه. ورغم كل ذلك، تابع تحقيقه، وتوصّل إلى مكتبة قديمة مهجورة، تقع في طرف المدينة، معروفة باسم “أرشيف الأشباح”.
داخل المكتبة، وجد مخطوطة قديمة، مكتوبة بلغة نصفها بالعربية القديمة ونصفها برموز غامضة. استعان بخبيرة تاريخ تدعى “نُهى”، والتي أكدت له أن ما وجده هو جزء من طقس قديم يُدعى “عبور الظل”، طقس يُستخدم لفتح بوابات بين العالم المادي وعالم الظلال، حيث تعيش كائنات تُدعى المرآويين — كائنات لا شكل لها، تتغذى على الأفكار والذكريات.
وهنا انكشف السر… أخو “ليلى” لم يُختطف، بل عبر البوابة، وترك جزءًا منه خلفه — جزءًا أصبح يتغذى على الآخرين، يتسلل إلى أحلامهم، يدفعهم إلى البحث عن الباب، ليجذب المزيد من العابرين.
مالك أدرك أن “ظله” ليس وهمًا، بل كان بقايا عبور لم يكتمل في طفولته. في سن الخامسة، ضاع ليوم كامل، ولم يتذكر أحد كيف عاد. لم يتحدث عن ذلك اليوم أبدًا، لكنه أدرك الآن: لقد عبر.
مع “نُهى” و”ليلى”، بدأ سباق مع الزمن لإغلاق البوابة قبل أن يتوسع تمزق العالمين. ولكن الثمن كان غالياً.
في الليلة الأخيرة، دخل الثلاثة إلى موقع البوابة — كهف مهجور تحت المدينة، بناه طائفة سرّية منذ قرون. واجهوا “المرآوي”، ظل “مالك” المتكامل، الذي عرض عليه أن يتحد معه ويمنحه قوة مطلقة في مقابل فتح دائم للبوابة.
لكن مالك اختار أن يواجهه.
وفي صراع عقلي مرير، تمكن مالك من تدمير الظل، لكنه فقد وعيه وسقط. عندما استيقظ، وجد نفسه في المستشفى، “ليلى” بجانبه. نُهى اختفت، لا أثر لها. لم يعرف أحد أين ذهبت.
لكن الأغرب، أن ظل “مالك” لم يعد يتحرك وحده…
وفي الليلة الأخيرة من مذكراته، كتب:
“أغلقتُ الباب، لكنني أخشى أن المفاتيح لم تعد معي.”
الجزء التاني من هنا