عابر الظلال الجزء الثالث “مدينة داخل المدينة”



عابر الظلال الجزء الثالث
مدينة داخل المدينة”

✦ الجزء الثالث: مدينة داخل المدينة

لم يعد مالك يثق بجدران مكتبه. الأصوات لم تكن مجرد هلوسة. كان الجدار في غرفته يتحرك فعلًا، كأن هناك شيئًا حيًا بداخله… يراقب… ينتظر.

بعد أيام من العزلة والبحث في “سجلات العابرين”، لاحظ اسمًا مألوفًا: “أنور الباشا” — رجل عجوز كان يراه كثيرًا في أزقة نوفاليس، يرتدي معطفًا رماديًا، ويمشي وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة.

تتبع مالك خطوات “أنور”، حتى أوصلته إلى حيّ قديم من المدينة لا يعرفه أحد. ليس له اسم في الخرائط، ولا يظهر في الأقمار الصناعية. بوابة صدئة تؤدي إلى شارع ضيق بلا لافتات، ومباني حجرية بأبواب مطلية باللون الأسود.

في الداخل، التقى بأشخاص غرباء، ملامحهم باهتة، عيونهم كأنها مغمّسة بالليل. لم يلتفتوا إليه، لكنهم كانوا يتمتمون بصوت واحد:

“ما عبر لا يعود… وما يعود ليس كما عبر.”

دخل إلى مقهى صغير في نهاية الحي، وهناك، وجد “أنور” جالسًا، يشرب قهوته بهدوء.

عندما رآه، ابتسم وقال:

“ظلك سبقك، يا مالك. ما تبحث عنه يبحث عنك أيضاً.”

سأله مالك عن معنى السجلات، والعين، والعبور.

فرد أنور بهدوء:

“نوفاليس ليست مدينة واحدة. إنها طبقات… في كل طبقة ظلٌّ لما فوقها. نحن الآن في الطبقة الثالثة. كل من عبر البوابة سقط في طبقة أعمق. أنت في الطريق للنهاية… لكن النهاية ليست موتاً، بل… نسياناً.

سأله مالك: “وماذا يوجد في القاع؟”

فهمس أنور:

مدينة المرايا… حيث تُمحى الأسماء، وتُبتلع الذكريات.”

فجأة، سمع مالك صوتًا مألوفًا. كانت “نُهى”. ظهرت خلف أحد الجدران الزجاجية، تنظر إليه بعينين خاليتين، وتهمس:

“مالك… تأخرت. الباب انفتح مجددًا.”

وعندها، انهارت الأرض من تحت قدميه — حرفيًا. سقط، وسقط، وسقط… حتى وجد نفسه في مكان غريب: ممر طويل لا نهاية له، جدرانه مغطاة بمرايا.

لكن كل مرآة كانت تعكس نسخة مختلفة منه — غاضب، قاتل، خائف، مختفٍ… وكلهم كانوا ينظرون إليه.

ثم تكلمت إحدى النسخ من خلف الزجاج:

“أنت من اختار النسيان… نحن من اختار البقاء.”
لمتابعة باقي الاجزاء برجاء الضغط هنا

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top